حكيمة خالص تكتب .. أعدوا التعاونيين قبل التعاونيات

في عالم يعاني من تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، يكثر الحديث عن دور التعاونيات والاقتصاد الاجتماعي كوسائل لتحقيق العدالة والتمكين.. ولكن، هل يكفي تأسيس التعاونيات لضمان نجاح هذه النماذج الاقتصادية؟ أم أن المشكلة الحقيقية تكمن في العنصر البشري ذاته؟
أسئلة ملحّة تطرح نفسها اليوم بقوة .. لماذا تفشل بعض التعاونيات رغم وجود الدعم القانوني والمالي؟
وما الذي ينقص الأفراد ليصبحوا قادرين على قيادة تعاونيات ناجحة ومستدامة؟
وكيف يمكننا بناء "عقلية تعاونية" تتجاوز المفهوم التقليدي للربح الفردي إلى رؤية جماعية تنموية.
إن المقولة الشهيرة "أعدوا التعاونيين قبل التعاونيات" ليست مجرد شعار، بل فلسفة عملية تعكس الحقيقة الجوهرية فالتعاونيات الناجحة ليست تلك التي تبدأ بالمباني والقوانين، بل تلك التي تنطلق من أفراد يمتلكون وعيا تعاونيا عميقا، وقيم الشفافية والحوكمة الرشيدة، ومهارات القيادة الجماعية.
إن إعداد التعاونيين يعني الاستثمار في بناء قدرات بشرية تؤمن بروح الفريق، وتعرف كيف تدير الموارد المشتركة بكفاءة وعدالة.
إنه إعداد للإنسان قبل الهيكل، للرؤية قبل التنفيذ، للالتزام الجماعي قبل الشعار المؤسسي.
لكن .. ماهي أسباب الفشل وأين يكمن الخلل؟
فى الواقع فإن العديد من التعاونيات تواجه تحديات حقيقية، منها..غياب التكوين والتدريب المستمر للأعضاء.
وضعف الحوكمة الداخلية والتسيير الديمقراطي.
وتركيز البعض على الامتيازات الفردية بدلاً من الصالح العام.
إلى جانب ضعف الوعي بالقوانين والحقوق والواجبات داخل التعاونيات.. هذه التحديات ليست مؤسسية فقط، بل ترتبط بثقافة وممارسات التعاونيين أنفسهم.
ليبقى السؤال .. كيف نُعد التعاونيين؟
وللإجابة على هذا السؤال نقول إن إعداد التعاونيين يتطلب عدة أمور لعل فى مقدمتها .. وجود برامج تدريبية مستمرة لتعزيز المهارات الإدارية والمالية والتواصلية والقيادية.
وترسيخ قيم التعاون وذلك من خلال ورش عمل تفاعلية، تبني روح الفريق، والابتعاد عن النزعة الفردية.
بالإضافة إلى تعزيز الثقافة القانونية لضمان فهم القوانين واللوائح المنظمة للتعاونيات.
إلى جانب التمكين الاجتماعي والاقتصادي عبر دعم مبادرات تشجع النساء والشباب والفئات الهشة على الانخراط الفعّال.
عموما هناك اقتراحات عملية لتفعيل تلك الرؤية من خلال: إنشاء معاهد أو أكاديميات للتكوين التعاوني ،تكون مفتوحة ومتاحة لمختلف الفئات، مع برامج معتمدة دوليا، واعتماد نظام إرشاد وتوجيه (Mentorship)يربط الأعضاء الجدد بخبراء تعاونيين، وتحفيز المبادرات المجتمعية الصغيرة لتكون نواة تعاونيات ناجحة إلى جانب دمج الثقافة التعاونية في المناهج الدراسية لترسيخ قيم المشاركة والتضامن من الصغر.
بناء شراكات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني لدعم المشاريع التعاونية وتمويلها.
الخلاصة.. التعاونيات ليست مجرد مؤسسات، بل انعكاس لمستوى وعي ومهارات وثقافة أعضائها لذا، لن يكون النجاح ممكنا بدون استثمار جاد في "إعداد التعاونيين" أولا .. فحين نعد الإنسان، نبني الأرضية الصلبة التي تنطلق منها مؤسسات قوية ومستدامة وقادرة على مواجهة التحديات.
فهل نبدأ بإعداد العقول قبل الهياكل ؟