محمد جعفر يكتب .. تكنوبرنت 2025 .. والمهمة الانتحارية

لم يكن من المقبول أن يفكر أحد – مجرد تفكير – في إمكانية عودة معرض "تكنوبرنت الدولي" مرة أخرى خاصة في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي واضطراب الوضع السياسي على الساحة العالمية.
كانت كافة المعطيات الموجودة على الأرض تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن محاولة إقامة المعرض الدولي في ظل هذه الظروف بمثابة "مهمة انتحارية" غير محمودة العواقب.
لكن كان هناك رجل واحد ينظر من زاوية أخرى بعيدا عن الواقع المتردي الذي يراه الجميع .. كان يحلم بإمكانية العودة.. يستلهم تجارب "تكنوبرنت" في الدورات السابقة .. يتذكر النجاحات والانتصارات.. يتذكر أيضا الظروف الصعبة التي مرت بها بعض الدورات السابقة للمعرض فيحذوه الأمل من جديد بإمكانية العودة وإحياء ذكريات الزمن الجميل للمعرض الدولي .. لكن سرعان ما تعود بواعث الخوف وظلال الفشل وشماتة الشامتين وتربص المتربصين لتطفو على تفكير الرجل فيعود إلى نقطة البداية من جديد..!!
وهكذا مرت شهور وشهور في صراعات بين فجر جديد للمعرض الدولي وسقوط سيكتب بلا شك كلمة النهاية لكثير من الأمور حتى انتصر الأمل أخيرا على بواعث الخوف والتردد وكان قرار إقامة النسخة 12 لمعرض تكنوبرنت الدولي.
القرار كان بمثابة الصدمة للعارضين والرعاة وللجمهور أيضا .. هناك من تخوف .. وهناك من استنكر.. وهناك من التزم الصمت..!!
وبدأ العمل الجسور على قدم وساق بفريق عمل مؤمن بالفكرة وإمكانية النجاح ضم متخصصين وباحثين وأكاديميين في كافة المجالات .. سواء الدعاية أو الإعلام أو التسويق أو التنظيم ..أخلصوا جميعا النوايا وتسلحوا بالإيمان بالفكرة والعمل الجاد .. كان المنهج العلمي هو خارطة الطريق للوصول إلى الهدف المنشود .. لم يسعى أى منهم لأخذ "اللقطة" على حساب باقى الزملاء .. ولم يتقمص أى منهم شخصية مبعوث العناية الإلهية لإقامة المعرض الدولى .. بل كان إنكار الذات هو الطابع الغالب على الجميع .. ومرت الشهور سريعا وجاء اليوم الموعود ليتم افتتاح النسخة 12 من معرض تكنوبرنت الدولي وسط حضور جماهيري كبير وعدد رائع من العارضين والوكلاء المصريين والأجانب والعلامات التجارية .. كانت مؤشرات الساعات الأولى للمعرض تؤكد أننا أمام نسخة تاريخية ونجاح يفوق كل التوقعات .. لتختلط دموع الفرح بتبريكات التهانى فى لحظة فارقة ستبقى محفورة فى ذاكرة الجميع .. ومرت الأيام الثلاثة للمعرض " كلمح البصر" في ظل أجواء من النجاح والسعادة تغمر أرجاء المكان والزمان.
شهد المعرض فعاليات لأول مرة من بينها توقيع بروتوكول تعاون بين عمداء 7 كليات فنون تطبيقية وغرفة صناعات الطباعة لتدريب الطلاب والخريجين وتنمية مهاراتهم وإعدادهم لسوق العمل .. كما كانت هناك محاضرات يومية مكثفة من خبراء الطباعة والتغليف والإعلان .. ناهيك عن مسابقة رؤية مصر 2030 لطلاب الفنون التطبيقية والتي شارك فيه أكثر من 200 تصميم تم منح الفائزين الثلاثة الأوائل منهم جوائز مالية قيمة .. كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين جمعية "تاج" لصناعات الطباعة ومسئولي الطباعة في السودان لإعادة أعمار وتشغيل المطابع السودانية بقيمة مليون دولار.. إلى جانب العديد والعديد من المبادرات والاتفاقيات والصفقات التي شهدتها أروقة المعرض.
انتهت فعاليات معرض تكنوبرنت 2025 لكن الدروس المستفادة من التجربة لم تنتهي .. فنجاح النسخة 12 من معرض تكنوبرنت في ظل هذه الظروف لا يمكن تجاهله ولا يمكن عبوره عبور الكرام .. بل يجب أن يأخذ هذا النجاح وصانعيه حقهم الطبيعي من الإشادة والتقدير ليكونوا قدوة لغيرهم خاصة فى الوسط التعاونى ..لقد أثبتوا أن الإرادة الصلبة والرؤية الواضحة قادرتان على تحويل التحديات إلى فرص حقيقية .. لذا فإنني أدعو الاتحاد العام للتعاونيات لتنظيم حفل تكريم لمسئولي جمعية "تاج" لصناعات الطباعة وفريق عمل تكنوبرنت وعلى رأسهم م. خالد عبد العزيز – الرئيس التنفيذي للمعرض نائب رئيس مجلس إدارة جمعية "تاج" لصناعات الطباعة وعضو مجلس إدارة الاتحاد التعاونى الإنتاجى الذي تحمل مسئولية تلك "المهمة الانتحارية" واتخذ قرار إقامة المعرض وتولى مسئولية التخطيط والإعداد والتجهيز طوال شهور فى سكون وصمت .. دون صراخ أوضجيج فى ظروف بالغة التعقيد وبعث إلى الوجود من جديد أهم معرض لصناعات الطباعة فى مصر وأفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وحقق نجاحا للحركة التعاونية قلما يتكرر في الوقت الذي مازال يؤمن فيه البعض بأن النوم في العسل "عبادة" ..!!