د. ربيع عيسى يكتب .. التعاونيات وحرب أكتوبر

كانت حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 ملحمة وطنية بكل المقاييس، لم تقتصر بطولتها على جبهة القتال العسكرية فحسب، بل امتدت لتشمل الجبهة الداخلية بكافة مؤسساتها المتنوعة، وفي مقدمتها المنظمات التعاونية، فقد لعبت التعاونيات، بكافة أشكالها (الاستهلاكية، والإسكانية، والزراعية، والإنتاجية)، دورًا محوريًا في دعم المجهود الحربي وتحقيق الصمود الشعبي والاقتصادي الذي كان ضروريًا للنصر.
ففى ظل الحروب والكوارث والأزمات، تزداد الحاجة إلى تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين والحد من آثار أي نقص أو اضطراب اقتصادي يكون سببا فى انهيار الجبهة الداخلية، من هنا برز دور الجمعيات التعاونية الاستهلاكية كآلية فعالة لضمان توفير السلع الغذائية والضرورية بأسعار مناسبة ومحاربة الاحتكار، مما ساهم في حماية الأمن الغذائي للجبهة الداخلية والحفاظ على استقرار الأسواق، كما لعبت التعاونيات الاستهلاكية أيضا دوراً في تقديم الإغاثة الفورية للأسر المتضررة والنازحة، لا سيما في مدن القناة التي تعرضت للقصف والتهجير قبل وأثناء الحرب.
لم يقتصر دور التعاونيات على فترة القتال فقط، بل امتد ليشمل مرحلة ما بعد النصر التي تطلبت جهودًا جبارة في إعادة الإعمار، وتجلّى هذا بشكل خاص في دور الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان، فبعد الانتصار، بدأت الهيئة عملها بشكل محوري وحقيقي في إعادة الحياة لمدن القناة وسيناء، حيث عملت على تنفيذ مشاريع إسكان ضخمة لعودة الأهالي.
وقد ساهمت جهود التعاونيات الإسكانية في بناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية ضمن خطط شاملة للتنمية، ما مكن المواطنين من العودة إلى ديارهم واستعادة حياتهم الطبيعية، كما قامت التعاونيات الزراعية بتقديم كافة أنواع الدعم للفلاحين لمواصلة استزراع أراضيهم لضمان توافر كافة أنواع المنتجات الزراعية بالأسواق، كما ساهمت التعاونيات الإنتاجية فى توفير المنتجات المختلفة من الملابس والأحذية والمفروشات والصناعات الهندسية، ووفرت العديد من فرص العمل للمواطنين من خلال الجمعيات والورش التعاونية المختلفة، فى ملحمة تعاونية وطنية قلما تتكرر .
لقد كانت هذه الجمعيات، بمنطق التعاون والتكافل، بمثابة ركيزة اجتماعية واقتصادية عززت الصمود الوطني ودفعت مسيرة التنمية والإعمار في أصعب الظروف، مؤكدة أن النصر الحقيقي يتحقق بتكاتف كل مؤسسات المجتمع وأفراده.
إن التعاونيات - بمختلف أشكالها الزراعية، والاستهلاكية، والإنتاجية، والإسكانية - نموذجًا اقتصاديًا واجتماعيًا فريدًا، يثبت أهميته وقوته بشكل خاص في أوقات الأزمات والكوارث والحروب، فهي ليست مجرد مؤسسات تجارية، بل هي كيانات تعتمد على الجهود الذاتية والتكافل الاجتماعي بين الأعضاء، ما يمنحها مرونة وقدرة عالية على الصمود والاحتواء في وجه التحديات الكبرى التي تتجاوز قدرة الأفراد والدولة منفردة، وهو ما يفرض علينا ضرورة فتح الطريق أمام التعاونيات، ليعود دورها الهام فى النهوض بالمجتمع اقتصاديا واجتماعيا.