أسامة مرجان يكتب .. الفريضة الغائبة فى التعاونيات المصرية

ليس بخاف على المنتسبين لقطاع التعاون فى العالم أجمع أن الحركة التعاونية منذ نشأتها الأولى قد تأسست على عدد من المبادئ التعاونية التى أفرزتها التجارب التعاونية الأولى بداية من تعاونيات روتشيلد مرورا بالتجارب التعاونية المتتالية فى دول العالم الرائدة فى هذا المجال كأنجلترا وألمانيا و روسيا وغيرها ومن أهم هذه المبادئ مبدأ التعاون بين التعاونيات وهو المبدأ الذى يفترض وجود نوع من التكامل والتعاون بين الأفرع المختلفة للقطاعات التعاونية
وهذا المبدأ إذا ما أحسن تطبيقه فى مصر لقادر على أن ينتقل بالحركة التعاونية جميعها فى مصر إلى آفاق أوسع وأشمل وأكثر تأثيرا مما هى عليه الآن ولكان للحركة التعاونية دور ملموس ومحسوس ومطلوب بشدة لدى الدولة من جانب ولدى المواطنين من جانب آخر .
وإذا كانت المقولة المأثورة أن الحاجة أم الأختراع واضحة التأثير فى كل مجالات الحياة فهى فى مجال التعاونيات أوضح تأثيرا فلولا أن رواد روتشيلد قد شعروا بالحاجة إلى توفير بعض أحتياجاتهم الأساسية بعيدا عن تسلط وسيطرة القوى الرأسمالية لما تفتق ذهنهم عن إنشاء أول جمعية تعاونية تحقق لهم هذه الغاية .
والمراقب البصير لما آل إليه حال الحركة التعاونية فى مصر – وخاصة فى مجال التعاون الإسكانى – سيرى بوضوح أن التعاون الإسكانى قد فقد بريقه ورونقه الذى كان عليه أثناء فترة منتصف السبعينات ثم الثمانينات والتسعينات من القرن الماضى .
فقد كانت الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان فى تلك الفترة تمثل الملاذ الذى يلجأ إليه الكثير من طبقات الشعب المختلفة للحصول على مسكن بسعر مناسب , وهى الفترة التى تلت معركة حرب أكتوبر المجيدة , حيث كانت الدولة برغم الأنتصار العظيم تعانى من تردى فى معظم الخدمات التى تقدم للمواطن , وأهمها على الإطلاق خدمة توفير المسكن المناسب بالسعر المناسب , ووجدت الدولة ضالتها فى الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان فأعتمدت عليها لتقوم بدور مهم فى تخفيف حدة أزمة الإسكان الطاحنة فى هذا الوقت , وكذا أعتمدت عليها فى تعمير مدن القناة وسيناء والبحر الأحمر التى تأثرت بشكل كبير نتيجة العدوان الإسرائيلى طوال سنوات الحرب , بل وأمتداد حركة العمران فى كل محافظات مصر , وقامت الجمعيات التعاونية بهذا الدور بشكل ملائم , وبمباركة الدولة ورعايتها وتقديم العون لها من خلال المميزات والأعفاءات التى تمتعت بها الجمعيات .
أما الآن فالوضع مختلف فليس هناك أزمة سكن , بل العكس هو الصحيح فهناك وفرة فى الوحدات السكنية , فالدولة من خلال أجهزتها المعنية تقوم بالبناء وشركات الأستثمار العقارى تقوم بالبناء , وأصبحت الجمعيات فى منافسة غير متكافئة مع الجهتين , فليس ثمة أرض متاحة للجمعيات بأسعار مناسبة , وليس ثمة تسهيلات ومزايا تحصل عليها كما كان الأمر فى الماضى .
لذا – وجب على الجمعيات التعاونية عموما – والإسكانية خصوصا – أن تجد لنفسها صيغة أخرى تمارس من خلال هذه الصيغة نشاطا تحتاجه الدولة ولا يكون منافسا لها أو للقطاع الخاص والأستثمارى لإن المنافسة معهما ليست فى صالح الجمعيات .
وأتصور أن هذه الصيغة هى إقامة مشروعات تعاونية متكاملة تشترك فيها كل أو بعض قطاعات التعاون الأخرى يكون لكل قطاع فيها دور يتلائم مع طبيعته ونشاطه , ولنضرب مثلا بذلك مشروع إستصلاح زراعى وأنتاج حيوانى تقوده جمعية تعاونية زراعية , يقف بجانبه تسويق للمنتجات الزراعية من خلال جمعية إستهلاكية , ومبانى للقائمين على المشروع تقيمها جمعيات إسكان , وخدمات صحية وتعليمية لهذا التجمع التعاونى تقيمه جمعية أنتاجية , أو مشروع ثروة سمكية تشارك فيه كل القطاعات , أو مشروع إنتاجى مماثل , وهكذا مشروعات تحتاجها الدولة وتدعمها وتعمل على تنميتها أو تكون هذه المشروعات بنفسها قادرة على تنمية نفسها دون أنتظار لمعونة أو مساهمة من الدولة .