وفاء الأخضر عمار تكتب .. التعليم يحتاج رؤية غير تقليدية

العلم قاطرة الأمم للنهوض والانطلاق،،لذلك نجد أن الحكومات في مختلف الدول تعطي أهمية كبيرة للتعليم الأساسي ما قبل الجامعي والتعليم العالي على حد سواء،،،وترصد ميزانيات ضخمة لذلك من بنية أساسية وهياكل دراسية،،إلى الاهتمام بالبحث العلمي الكفيل بتحقيق إنطلاقة فعالة في كل مناحي الحياة،،ولنا تجارب كثيرة لدول في العالم كانت تعتبر غير متقدمة اهتمت بالتعليم وأعطته أولوية خاصة أصبحت بعد ١٥ أو٢٠ سنة من أوائل البلدان تقدما وتحقق مستويات تنموية عالية وتتبوأ المراكز الأولى عالميا كماليزيا وسنغافورة،،
فمن خلال منظومة التعليم يتم بناء إما مواطن قوي يصعب أن تتلاعب به قوى العنف والتطرف بأنواعه،،،أو مواطن ضعيف يصبح لقمة سائغة لهذه القوى،،ولايكاد يغيب عن أحد أنه منذ فترة غير بعيدة كان هناك قصور في النظام التعليمي العربي وضآلة في البحث العلمي،وكنا كلمانتطرق إلى جودة التعليم ونظم التدريب فكانت البلدان العربية غالبا ما تتبوأ المراكز الأخيرة فيما يخص التعليم الابتدائي وما قبل الجامعي،،،فمثلا بلد مثل مصر من عشر سنوات مضت كانت تحصل على المراكز الأخيرة في التصنيفات العالمية حسب معايير ومؤشرات محددة منها الالتحاق بالتعليم ومدى جودته،،وأماكن الدراسة وتنمية المهارات،،والمشاركة الاقتصادية وغيرها من المؤشرات،،،،ورغم سياسات تطوير التعليم في مصر نجد أن النتائج ليست مشجعة خصوصا ما يتعلق بالتعليم ما قبل الجامعي،،،الأمر يختلف فيما يخص التعليم الجامعي ،فخلال العشر سنوات الماضية عرفت الجامعة المصرية التي تعتبر أعرق الجامعات العربية قفزة نوعية،،فبعد أن كانت الجامعة المصرية قبل ٢٠١٥ خارجة عن التصنيف العالمي أصبحت اليوم تتبوأ مكانة متقدمة في التصنيفات العالمية تحت مختلف المسميات والمؤشرات والمحددات العالمية،،ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر خلال عام ٢٠٢٤،حصلت كثير من الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة على مراكز متقدمة منها ٢٥ جامعة مصرية في تصنيف (time higher education)العالمي،،ونظرة سريعة لما كانت عليه الجامعات المصرية قبل عشر سنوات وماآلت إليه اليوم يوضح هذا التطور ،فبعد أن كان الإنتاج العلمي للجامعات المصرية ضئيلا ، وكانت الأبحاث في مجالات التكنولوجيا الحيوية وهندسة الجينات تكاد تكون منعدمة ومعظم الأبحاث في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية كانت تنشر في دوريات غير معترف بها،،وبطبيعة الحال كان لهذا الوضع أسبابه أهمها الانشغال عن التعليم بقضايا فرعية،،وعدم الاهتمام بتحديث بنية البحث العلمي وتهيئة البيئة الصالحة له،،وضعف الميزانية،،،بالإضافة إلى التأكيد على أن استيراد الجامعات العالمية لا يكفي للنهوض بالمنظومةالتعليمية،،كذلك تطوير منظومة التعليم لابد أن يتوائم مع متطلبات سوق العمل واحتياجات النمو في المستقبل واتساق سياسات التعليم مع سياسات التنمية،،،بمعنى آخر التنسيق بين برامج التعليم ومشكلات المجتمع ورصد موارد مالية وبشرية ضخمة لذلك،،وليس على الحكومة وحدها القيام بهذا فالقطاع الخاص والمجتمع المدني لهما دور كبير في هذا المجال وبذلك تتحقق معادلة رأس المال الخادم ومساهماته،،في دعم ميزانية التعليم الجامعي والبحث العلمي،،ونذكر بهذا الخصوص مؤسسات أهلية علمية قائمة على التبرعات وتمول الأبحاث منها جامعة "هارفارد" الأمريكية التي تعتبر أغنى مؤسسة علمية في العالم تعتمد على التبرعات،،،لأن المجتمع الرأسمالي هناك قوي ولدى رجال الأعمال ثقافة التبرع ونزعم بأن هذه الثقافة موجودة في مصر لكن ليست قوية،،
وإذا ما قارنا ما تخصصه الدول الأوروبية من ميزانية للأبحاث مع بلداننا نجد المقارنة ظالمة نوعا ما،، فمثلا في عام ٢٠٠٩ خصصت هذه الدول أكثر من ٤٥٠ مليون يورو معظمها كان يذهب إلى إسرائيل كون هذه الأخيرة لديها الكثير من المعامل والمراكز،وكانت خمسة من مؤسساتها مصنفة عالميا منها معهد وايزمان ،، أما دولة كمصر كانت ترتيبها متأخر جدا ،،والمفارقة هنا أن المشاريع كثيرة ولكنها كانت تذهب هباء لسبب أو لآخر،،،،كمشروع "حلم العلم" ومشاريع أخرى طموحة لكنها دائما ما كانت تصطدم بعراقيل بيروقراطية أو ذهنيات عقيمة أو فساد،،ذلك أن تدهور البحث العلمي ليس لغياب الكفاءات ولكن بسبب إبعادها وسيطرة ذوي المصالح الضيقة، و تجدر الإشارة إلى أنه في السنوات الأخيرة وخاصة بين عامي ٢٠٢٤/٢٠٢٣،جهود الحكومة، والجامعات ظهرت ثمارها بمشاريع أنجزت فعليا وأخرى في طور الإنجاز وفي هذا السياق نذكر بعض ماجاء في تقرير رئاسة الوزراء،منها إستحداث نظم تعليمية جديدة ما أدى إلى حدوث طفرة في إنشاء الجامعات التكنولوجية(١٧ جامعة)،،وفي مجال البحث العلمي نذكر أبرز المشروعات،،مشروع الجينات البشري المرجعي الذي تم إطلاقه في مارس ٢٠٢١ وينتهي في ٢٠٢٥ بتكلفة ٢مليار جنيه،،هذا المشروع يساعد على التنبؤ بالأمراض الوبائية المستقبلية ويتوقع موجات الفيروسات المقبلة، ويرسم خريطة بطرق المواجهة والعلاج، ،،،كما تم إنشاء مدينة الفضاء المصرية على مساحة١٢٣ فدانا،،،والتي تعتبر مركزا لجميع الأنشطة المتعلقة بالفضاء بما في ذلك مختبرات البحث والمعامل المتخصصة الفضائية وتستضيف مقره وكالة الفضاء الأفريقية فضلا عن أن المدينة تضم أكبر مركز لتجميع الأقمار الصناعية في إفريقيا والشرق الأوسط،،،،كما تم إنشاء بنك الابتكار المصري عام ٢٠١٨ ويعد أكبر منصة حكومية لدعم الابتكار بجانب إنشاء٤٣ حاضنة تكنولوجية بالجامعات والمراكز البحثية ودعم٣٣٨ شركة ناشئة،،،هذه المشاريع وغيرها واعدة بالنسبة لتقدم الجامعة المصرية وبالتالي تحجز مكانها في الصفوف الأولى بين جامعات العالم،،ونرى بأنه لابد من تجهيز بيئة علمية صالحة للتميز العلمي والعقليات المصرية المتميزة موجودة في كل جامعة،،لكن الأهم من ذلك هو توفير مناخ مناسب وبيئة صالحة للبحث العلمي،،، كما نرى أن إصلاح التعليم كذلك يستمر بالحريات الأكاديمية والشفافية والرقابة على أداء المؤسسات التعليمية وإصلاح المناهج وتطويرها على الدوام.